العوامل المؤثرة في تقدير الذات و تأثيراته النفسية

9:24 م


العوامل المؤثرة في تقدير الذات وتأثيراته النفسية


1 ـ العوامل المؤثرة في تقدير الذات:



 أشار معظم العلماء والباحثين إلى أن العوامل المؤثرة في تقدير الذات يمكن أن تتمثل في عدة عوامل تتعلق بالفرد نفسه أو البيئة المحيطة به وتشمل:
ـ العوامل الشخصية : تتعلق بالفرد نفسه.
ـ العوامل البيئية : تتعلق بالبيئة الخارجية والمجتمع.

 العوامل الشخصية:
وتشمل هذه العوامل ما يلي:

 ـ صورة الفرد عن ذاته:
حيث تؤدي صورة الذات دورا هاما في سلوك الفرد، حيث تتضمن صورة الذات دائما الخصائص والصفات والإمكانيات التي تميز شخصية الفرد، كما أنها تعكس له آراء الآخرين عنه، حيث يكون لها غالبا الشكل الاجتماعي

ـ الخصائص الجسمية:

تؤدي الخصائص الجسمية دورا كبيرا في تحديد صورة الفرد عن ذاته ومفهومه عنها، ويبدأ اهتمام الفرد بجسمه منذ الطفولة المبكرة ، حينما يجد الطفل في هذه المرحلة صعوبة في التوحد مع جسمه، ولذلك يحاول الطفل أن يكتشف أجزاء جسمه كلها، وحينما يصل إلى سن الخامسة يقارن نفسه بغيره من الأطفال حتى يصل إلى مرحلة المراهقة، وعلى ذلك فصورة الجسم تتأثر بالخصائص الموضوعية التي تعتمد على معايير اجتماعية مثل رأي الآخرين من المقربين والتقييم الدائم بين الحسن والرديء، مما يشكل جانبا أساسيا في مدى تقدير الفرد لذاته
يلعب الجسد دورا مهما للغاية في تقدير الفرد لذاته سواء كان ذكرا أو أنثى فهو يطمح إلى المظهر الجيد والحسن سواء على مستوى القوام ـ سمين أو رشيق ـ أو على مستوى اللباس ، وكذا على مستوى الجمال، هذا الأخير الذي يشكل بدوره عاملا في تقدير الفرد لذاته وتكون الأحكام المتعلقة بالجسد نابعة من علاقة الفرد بالمرأة التي تعكس له خصائصه الجسمية وأيضا من علاقته بالمحيط الاجتماعي من أسرة وأصدقاء وأقران

ـ القدرات العقلية للفرد:
إن ذكاء الفرد وسماته الشخصية والمرحلة العمرية والتعليمية التي مر بها،الفرد تؤثر على تقديره لذاته، فالقدرة العقلية تؤدي دورا هاما في التأثير على تصور الفرد الذاتي. وبالتالي تقديره لها
ويدخل في هذا الإطار دور المدرسة وعلاقتها بتقدير الذات.

ـ المدرسة وتقدير الذات:

المدرسة باعتبارها المجال أو المكن الذي يتم فيه قياس وتقويم قدرات الفرد وكفاءاته، تعتبر أهم الوسائل التي تتيح لنا اختبار مدى حضور أو غياب تقدير الذات لدى التلميذ، ودرجة قوته أو ضعفه ومستويات تأثيره السلبي أو الإيجابي
وقد أظهرت مجموعة من الأبحاث والدراسات حول تأثير مختلف العوامل المتعلقة بالمدرسة على تقدير الذات أن العلاقة التي تجمع بين تقدير الذات والمدرسة جد معقدة بحيث أن تقدير الذات المدرسي ليس مجرد تقويم بسيط من طرف الطفل لكفاءاته أو شعبيته في المدرسة، وليس مجرد عكس نظرة الآخر على الحياة المدرسية للتلميذ، كما أنه ليس مجرد علامة استثمارية المدرسية، بل هو كل ذلك، كما أن السلوكات التي يتعلمها الطفل في المدرسة تطال الأسرة والمجتمع ليصبح تقدير الذات المدرسي مؤثرا في مجموعة من المجالات الاجتماعية.
هكذا يرى (1999، André et Lelord) أنه كلما كان تقدير الذات للتلميذ مرتفعا كلما كان متفوقا دراسيا، وكان أكثر اندماجا في محيطه الأسري، كما أنه يكون مهيئا لتخطي الصعوبات الدراسية، وكلما كان تقدير الذات منخفظا كلما كان التلميذ أكثر إنهزامية وسهل الارتباط بحالات الفشل والضعف.
كما أن الوسط المدرسي ذو الطابع التنافسي يساهم في رفع تقدير الذات عند التلاميذ المؤهلين لذلك، أما الوسط غير المتنافسي فهو على عكس الأول يساهم في تحسين تقدير الذات عند التلاميذ ذوي تقدير الذات المنخفض لأنه لا يهدد وضعهم ومكانتهم الاجتماعية داخل المدرسة أو داخل القسم.
إذن تلعب المدرسة دورا كبيرا في تقدير الطفل لذاته فهي تحتل المرتبة الثانية بعد البيت بالنسبة للعديد من الأطفال في تأثيرها على تكوين تصور الطفل عن نفسه، وتكوين اتجاهات نحو قبول ذاته أو رفضها، كما أن نمط المدرسة والنظام المدرسي والعلاقة بين المعلم والتلميذ هي عوامل تؤثر كلها في تقدير الطفل لذاته، خاصة المعلم الذي له تأثير كبير على مستوى مفهوم الطفل عن نفسه إذ باستطاعته أن يخفض من هذا المستوى أو يرفع منه، ويؤثر بذلك في مستوى طموحات الطفل وأدائه 

العوامل البيئية:

تجدر الإشارة إلى أن العوامل البيئية تتعدد وتختلف في درجة تأثيرها على مفهوم تقدير الذات للفرد، وفيما يلي عرض لأهم هذه العوامل:

 ـ العامل الأسري:

الأسرة تعد هي النسق الاجتماعي الرئيسي بالمجتمع حيث يتفاعل في إطاره الوالدان مع الأبناء لتشكيل الشخصية السوية اجتماعيا ونفسيا، وكلما زادت قدرة الأسرة على رعاية الأبناء وتوجيههم وتنشئتهم دون أن يشعروا بالحرمان أو الضغط أو القسوة أو التساهل، كلما كان الطفل سويا قادرا على تحمل مسؤولياته في إطار احترامه لذاته ولذوات الآخرين. لكن عندما تختل عملية التنشئة الاجتماعية وتتصارع الأدوار وتهتز المكانات يؤدي ذلك كله إلى خلق شخصيات بعيدة عن السواء وبالتالي تقديرا ضعيفا للذات
ويرى Demi (1987)، أن الأسرة هي البيئة الهامة لنشأة ونمو تقدير الذات للفرد، فقد توصلت العديد من الدراسات إلى أن الدعم الوالدي ومنح الاستقلال والحرية للأبناء مرتبط بطريقة إيجابية بالتقدير المرتفع للذات لدى الأبناء، فعندما يثق الأب والأم بالابن ويعتبرانه شخصا مسؤولا فإن هذا يزيد من تقديره لذاته

ـ الدور الاجتماعي للفرد:

يعتبر تصور الفرد لذاته من خلال الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها من العوامل الهامة التي تساهم في مستوى تقديره لذاته.
إن تصور الذات من خلال الأدوار الاجتماعية ينمو مع نمو الذات، ويؤكد علماء النفس أن التفاعل الاجتماعي السليم والعلاقات والتفاعلات الاجتماعية الناجحة تعزز الفكرة السليمة الجدية عن الذات،وأن مفهوم الذات الموجب يعزز نجاح التفاعل الاجتماعي بل ويزيد العلاقات الاجتماعية نجاحا 

 التأثيرات النفسية لتقدير الذات:
أكدت دراسات عديدة الأهمية الإكلينيكية لمفهوم الذات، الذي تتضح مدى سلبيته لدى الأفراد الذين يعانون من مشكلات نفسية، إلا أن مفهوم الذات السلبي عند البعض لا يعد في حد ذاته اضطرابا نفسيا إلا أنه يعد سببا أو نتيجة لاضطرابات متعددة كاضطرابات الشخصية واضطراب الاكتئاب، ولوحظ انعكاس مفهوم الذات السلبي المصحوب بالاكتئاب لدى بعض الأفراد، الذين يعانون من سوء التوافق النفسي الاجتماعي من خلال التلميح بالانتحار، أو القيام ببعض السلوكات المؤذية التي قد تسبب الموت، فالسلوك الانتحاري هو أكبر مؤشر على وجود قيمة منخفضة للذات، ووجود سوء توافق نفسي اجتماعي .
ومن جهة أخرى بين "روزنبرج" (1985)، وجود ارتباط ذي دلالة إحصائية بين تقدير الذات المنخفض، وكل من الحالات الانفعالية السلبية والتهيج والعدوان وضعف الرضى عن الذات والحياة
هناك إذن، العديد من الاضطرابات النفسية والتي تكون مرتبطة أساسا بمشاكل تقدير الذات كالعقد النفسية التي تكون مرتبطة بأصل تكون تقدير الذات، والاكتئاب الذي له علاقة بصيانة وتحسين تقدير الذات، وكذا الادمان خاصة على الخمور الذي يكون لتقدير الذات فيه دورا كبيرا حيث يلجأ إليه المدمن لمواجهة حالة الخجل من مواجهة الأحكام الاجتماعية

 تقدير الذات والاكتئاب:
الاكتئاب هو اضطراب نفسي يمكن أن يصيب أي فرد، إلا أن الأشخاص ذوي تقدير الذات المنخفض والذين تكون حالتهم النفسية باستمرار سلبية يكونون عرضة بشكل أكبر للاكتئاب بخلاف الأفراد ذوي التقدير المرتفع للذات والذين يعملون بشكل دائم على صيانة وتحسين صورتهم لذواتهم، حيث يعتبر تقدير الذات، المنخفض السمة المشتركة بين كل أنواع الاكتئاب، فقد أظهرت بعض الدراسات أن النساء الحوامل يكن أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب،كلما كان تقديرهن لذواتهن ضعيف.
ويكون المصاب بالاكتئاب أكثر حساسية للخطاب الاجتماعي، ويركز على النقاط السلبية ويفكر دائما في الانفعالات السلبية، مما يؤدي إلى انعزاله وتشاؤمه وخموله وهي كلها أعراض تدل على تقدير الذات المنخفض، والملاحظ أن هناك علاقة تناسبية بين تقدير الذات والاكتئاب، فكلما كان تقدير الذات منخفظ وضعيف كان الاكتئاب أكثر حدة وخطورة، بل أكثر من هذا يمكن للاكتئاب أن يمرر من طرف الآباء المصابين به إلى أطفالهم، وذلك عبر توجيه الانتقادات الحارة وإرسال خطابات تشاؤمية تؤدي إلى انخفاض تقدير الذات عند الطفل، وبالتالي احتمال إصابته بالاكتئاب
هكذا نجد أن "باركر"(1980)، يؤكد على العلاقة بين تقدير الذات والاكتئاب، فيرى أن الانخفاض في تقدير الذات ربما يعتبر السمة الأساسية أو العلامة المميزة لخبرة الاكتئاب. ويرى كذلك أن الأفراد الذين لديهم تقدير منخفض للذات يكونون أكثر قابلية للاكتئاب. كذلك وجد "رينولدز" (1986)، أن تقدير الذات هو عبارة عن تكوين يرتبط بالاكتئاب، وأشار إلى أن مفهوم الذات يعتبر أحد المتغيرات الوجدانية المرتبطة بالاكتئاب، وأنه يمكن النظر إلى مفهوم الفرد عن ذاته، مثله في ذلك مثل الاكتئاب، كأحد مكونات الحالة التي تكون عليها صحة الفرد النفسية. 

 تقدير الذات والقلق الاجتماعي:
أكدت دراسة "Zocolillo" (1992)، أهمية القلق كمتغير له أثر سلبي على تقدير الذات،فكلما ارتفع القلق نقص تقدير الفرد لذاته، وأوضحت دراسات كل من "Myers" (2000) و"Greshma"(1998)، أن القلق يرتبط بتقدير الذات، فالأفراد القلقين لابد وأنهم يعانون من تقدير ذات سلبي، ومن ثم لديهم الاستعدادات السلوكية لعدم التوافق ، أما الأفراد الذين لديهم تقدير ذات إيجابي فتنمو لديهم الاستعدادات السلوكية للتوافق، ومن تم فهم يتمتعون بتقدير ذات مرتفع. فالعلاقة بين تقدير الذات والقلق الاجتماعي علاقة عكسية، يعني أنه كلما ارتفع القلق إلى الحد الذي يدرك فيه الفرد تهديدا لذاته انخفض تقدير الذات، وكلما انخفض القلق إلى المستوى الطبيعي زاد تقدير الفرد لذاته. (وحيد مصطفى،2003).
ويرى "روجرز" أن القابلية للقلق إنما تحدث عندما يكون هناك تعارض بين ما يعيشه الكائن العضوي وبين مفهوم الذات. فالاضطراب يأتي عندما تكون الأحداث التي يتم إدراكها على أنها تنطوي على دلالة بالنسبة للذات تتعارض مع انتظام الذات، فإن الأحداث إما أن تلقى الانكار أو تلقى تحريفا إلى الحد الذي تصبح معه صالحة للتقبل ويغدو التحكم الشعوري أكثر صعوبة عندما يناضل الكائن الحي إشباعا لحاجات لا تحضى شعوريا بالاعتراف ويناضل استجابة لخبرات تلقى الانكار من الذات الشعورية، عندئذ يحدث التوتر، فإذا ما أصبح الفرد بأي درجة على وعي بهذا التعارض فإنه يشعر بالقلق وبأنه غير متحد أو غير متكامل وبأنه غير متيقن من وجهاته وعدم المطابقة أو الملائمة ما بين إمكانات الفرد ومنجزاته وما بين الذات المثالية والذات الممارسة يؤدي إلى انخفاض مستوى تقدير الذات والشعور بالذنب والقلق.

 تقدير الذات والخجل:

مما لاشك فيه أن تقدير الذات يلعب دورا محوريا في ظهور أو اختفاء اضطراب الخجل أو الارتباك ويجب هنا التفرقة بين الخجل والحياء، فقد أشارت نتائج دراسة أجراها "لويس وزملائه" (1992) إلى أن تقدير الذات يتأثر بطبيعة المهمة التي يؤذيها الفرد ، وذلك من حيث الصعوبة والسهولة فإنجاز مهمة صعبة بنجاح يؤدي إلى ارتفاع تقدير الذات، أما الإخفاق في مهمة سهلة يولد الإحساس بالخزي الذي يتطور إلى الخجل ، وذلك نظرا لانخفاض تقديره لذاته.
كما أن ملاحظة الآخرين لسلوك الفرد وتأثير الفرد الظاهر في الآخرين و استجاباته لهم، تشكل معا توقعه عن كفاءاته الاجتماعية ويعتمد الفرد على تلك التوقعات حينما يختار النشاط الاجتماعي الذي يشارك فيه، وكذلك فإن معتقداته عن فاعلية ذاته في نوعية ما سوف يصدره من سلوك. أي إذا كان سيتبنى أنماط السلوك الحذر أو الاحتراسي والدفاعي أم لا. وتبني الفرد لتلك الأنماط السلوكية يؤدي به إلى الفشل والاضطراب الاجتماعي، ويؤدي تقدير الذات دورا أساسيا في هذه العملية حيث أن للفروق الفردية في تقدير الذات (منخفض، متوسط، مرتفع) دورا أساسيا فيما إذا كان الفرد أو الطفل سوف يضع لنفسه توقعات تقوده إلى الخجل أم توقعات أخرى بديلة تؤدي به إلى مزيد من الثقة بالنفس في المواقف الاجتماعية

0 التعليقات